top of page

زيادورا غرينليف: عميلة سرية
بقلم ثيودور سيلفرفيرن


 

ChatGPT Image Apr 3, 2025, 06_10_19 PM.png

الفصل الأول

​​

تساءلت زيادورا جرينليف إن كانت والدتها قد وجدت نفسها يومًا محشورةً داخل فتحة تهوية بانتظار القبض على مخلوق شرير. وأجابت في سرّها: بالتأكيد!

همست سارة: "المكتب في آخر الممر، إلى اليسار." وأشارت من خلال فتحات التهوية إلى باب أسود كبير. "علينا التسلل قبل أن يعود الحراس."

كانت سارة القائدة، وتبلغ من العمر أحد عشر عامًا، أي أكبر من زيا بسنتين. لم تصدق زيا حظها — هذه أول مهمة لها، وسارة هي من اختارتها كشريكة قبل ثلاثة أشهر! وأخيرًا، ها هو اليوم المنتظر. لكن الآن، كانتا محشورتين معًا داخل فتحة التهوية، بشكل مؤلم.

"هل أنتِ مستعدة؟" همست سارة.

كانتا أفضل فريق على الإطلاق. سارة ذكية ومرحة، وزيا سريعة وخفيفة الحركة. لا توجد مهمة مستحيلة بالنسبة لهما. وكان لهما أيضًا سرّان كبيران!

ابتسمت زيا وقالت: "أكيد!"

السر الأول؟ أنهما في الحقيقة عميلتان سريّتان—جاسوستان! وكانتا على وشك القبض على ترول شرير يتخفى في هيئة مدير أغنى بنك في شيكاغو. التُرول يحبون المال، وسيفعلون أي شيء للحصول عليه. أما هذا التُرول بالتحديد، واسمه ييغو، فكان من الأسوأ على الإطلاق. لكن أولًا، كان عليهما الخروج من هذا المكان الضيق.

"أخرجي الجراب،" قالت سارة.

أخرجت سارة جرابًا مصنوعًا من أوراق خضراء لامعة، وفعلت زيا المثل. من داخلهما، سحبَتا ما يشبه لحاء شجرة. وكان كذلك بالفعل—لكن ليس من أي شجرة عادية. اسمه "لحاء زينفانديل"، وله خصائص سحرية مميزة.

قالت زيا وهي تخرج لسانها: "فلننتهِ من هذا ...يييع!"

وضعَتا قطعة اللحاء على لسانيهما ومضغتاه. سرت نكهة مرّة وغريبة في حلقيهما، وشعرت زيا بجسدها يهتز وكأنها نحلة. ثم بدأت تتقلص—من حجم طفلة إلى حجم حبة بازلاء. كان أمامهما ثوانٍ فقط للتحرك.

صاحت زيا بصوتٍ صغيرٍ كحجمها الجديد: "انطلقي! انطلقي!"

ركضتا عبر الفتحة في أسفل التهوية. أصبحت شريحة المعدن ضخمة، وكأنهما تحت جسر عملاق. في نهاية الممر، توقفتا لالتقاط الأنفاس. مررت زيا يدها على شعرها القصير الأرجواني الشائك مثل القنفذ. عادت الرجّة، وبدأت تنمو حتى أصبحت بحجم طفلة في التاسعة من عمرها مجددًا.

ضحكت سارة وقالت: "كأنها سحر!"

غمزت لها زيا. وكان هذا هو السر الثاني: لم تكونا فقط جاسوستين—بل أيضًا من قبيلة الفاي. كثيرون يسمّونهم "الجنّيات"، لكن الفاي يكرهون هذا الاسم. فهم لا يطيرون في فساتين منفوخة أو يحملون عصيًا سحرية. قبيلة الفاي ليست سحرية حقًا—لكنها تعيش في غابات سرّية، حيث تنمو نباتات ذات خصائص خارقة. ومنذ الطفولة، يتعلم أطفال الفاي كيف ومتى يستخدمونها.

"ييغو في هذا المكتب،" همست سارة وهما تقتربان من الباب الأسود. "لنُنْهِ المهمة!"

كانت الجدة قد أرسلت زيا وسارة لملاحقة ييغو وإفشال مخططاته الشريرة. وكانت زيا مصممة على النجاح في أول مهمة لها. أرادت أن تصبح بطلة مثل والدتها. والأهم؟ أنها شعرت أخيرًا بأن لديها صديقة حقيقية.

"الشرف لكِ، زيا،" همست سارة عند الباب. "أنتِ تستحقين ذلك."

قدّمت لسارة الأصفاد المصنوعة من نباتات الفاي، والتي تسلب قوة الترول إذا وُضعت عليه. فتحت زيا الباب واندفعت للداخل. شعرت بوجود سارة خلفها. وكان رجل ضخم يجلس وراء مكتب خشبي.

رفعت زيا الأصفاد وصاحت: "ارفع يديك يا ييغو! أنتَ رهن الاعتقال!"

لكن ييغو لم يتحرك. بل انفجر ضاحكًا. أمام عيني زيا، بدأ وجهه يغلي كالمرق، وتساقط جلده البشري ليظهر وجهه الحقيقي: بشع، مليء بالنتوءات، بلونٍ مقزز يشبه القيء. رأت زيا ظلًا خلف الباب—لكن بعد فوات الأوان.

صرخت سارة: "زيا! ساعديني!"

كان ترول آخر قد أمسك بها بذراعيه الضخمتين كجذوع الأشجار. نظر ييغو إلى زيا بشفاهه الخضراء المترهلة وقال:

"أهلًا بكم... أيتها الجنيات الصغيرات."

شعرت زيا بالذهول. ضحك ييغو بصوت عالٍ وقال:

"هل ظننتما حقًا أن طفلتين من الفاي ستوقفانني؟ أنا ييغو العظيم؟"

تراجع إلى كرسيه وكأن الأمر لعبة. ضحك الترول الآخر. تجمدت زيا في مكانها—كان المفترض أن المباغتة ستكون لصالحهما! الآن... ماذا تفعل؟

مدت يدها إلى جرابها، لكن سارة هزت رأسها. ثم همست بصوت فاي خافت:

"لا أستطيع الوصول لجرابي. ارمِ لي جرابك، زيا. ثقِي بي، أعلم ماذا أفعل."

صُدمت زيا. جراب الفاي لا يُسلَّم بسهولة. إذا انتُزع بالقوة، ينفجر ككرة نارية! لا يمكن إعطاؤه إلا طوعًا. لكن هذه حالة طارئة. أومأت سارة لتشجيعها.

"واحد... اثنان..." همست سارة.

وفجأة، حرّكت يدها وتحررت جزئيًا. "ثلاثة!"

رمت زيا الجراب نحوها. هبط في يدي سارة تمامًا. ابتسمت سارة... وكذلك فعل الترول!

ضحك ييغو بصوت مدوٍ وقال: "عمل ممتاز، سارة."

ترك الترول سارة، التي مشَت نحو ييغو وقدّمت له جراب زيا. أمسكه—ولم ينفجر. لأن زيا منحته إيّاه طوعًا!

صرخت زيا: "سارة! ماذا... ماذا تفعلين؟!"

ابتسمت سارة بابتسامة شريرة. لوّح ييغو بكيس مليء بالذهب، بحجم رأس زيا. أمسكت سارة به، لكنها لم تحصل عليه.

قال ييغو: "مكافأتك بعد أن نمسك بجنيتك الصغيرة."

استدارت سارة نحو زيا، وقالت: "ما المشكلة؟ لم يبقَ معها أي سحر. الآن هي مجرد فتاة خائفة."

لكنها كانت مخطئة.

لأن زيا، بحركة سريعة، مزّقت الجيب السري في كمّها وسحبت شريطًا من عشبة السحاب وقطعة من لحاء زينفانديل.

شكراً يا أمي، فكرت زيا.

صرخ ييغو: "أمسكوا بها!"

قفزت سارة باتجاهها. تدحرجت زيا، ومرّت أسفل ذراع الترول، ثم قفزت فوق المكتب. لكمها ييغو، لكنها كانت قد ابتلعت النبتتين.

"أين ذهبت؟!" صرخ ييغو.

زيا، بحجم صغير، ركضت عبر المكتب وقفزت نحو النافذة. ولحسن الحظ، بدأت عشبة السحاب تفعل مفعولها—نبتت أجنحة من ظهرها، وبدأت بالطيران.

"أغلقوا النافذة!" صرخت سارة. "إنها تهرب!"

حلّقت زيا نحو الخارج، بأقصى سرعة. كانت النافذة تُغلق! وبكل قوتها، انطلقت عبر الفتحة—

تمامًا عندما انغلق الزجاج خلفها!

ChatGPT Image Apr 8, 2025, 08_34_47 AM.png

الفصل الثاني

كانت تسير بلا هدف في غابة الفاي، موطنها الذي تعرفه مثل ظهر يدها. نشأت بين هذه الأشجار العتيقة المختبئة في أعماق البرية الشمالية. لم يكتشف البشر عالمهم السري أبدًا، فقد كانت أزهار بنفسجية صغيرة تحرس حدود الغابة، تفوح منها رائحة دافئة كبطانية شتوية. لكن بالنسبة للبشر، كانت تلك الرائحة كريهة، تذكرهم بأشياء مزعجة نسوها، مثل موقد لم يُطفأ أو باب لم يُقفل.

 

كانت تظن أن العودة للغابة ستشعرها بالراحة، لكنها لم تشعر سوى بفراغ غريب في صدرها. رفعت رأسها نحو الجسور المعلقة بين أشجار الصنوبر العملاقة. تلك الجسور المصنوعة من الكروم الأحمر متشابكة كالحبال، كانت ثلاث نساء من الفاي يعبرن أحدها ببطء.

لاحظت إحداهن وجود زيا فتوقفت ونظرت إليها، ثم همست لرفيقتيها. لم تسمع زيا كل الكلمات، لكنها التقطت أجزاءً جعلت قلبها ينقبض:

"جرينليف... الجراب... الجدة... يا للأسف..."

 

كانت تلك الهمسات تلاحقها منذ عودتها. فشلت في مهمتها - لم تُمسك بييغو، وخسرت جرابها السحري. والآن، في كل مكان تذهب إليه، تسمع تلك الكلمات. هل يتحدث الجميع عن فشلها؟ أم يشعرون بالشفقة عليها؟ أسوأ ما يمكن أن تتخيله هو أن يعتقدوا أنها لن تصبح يومًا عميلة ناجحة مثل والدتها.

مرّ أسبوعان منذ هروبها من بنك شيكاغو. وحتى الآن، بعد وقت للتفكير، لم تكن متأكدة تمامًا كيف نجحت في الهروب. كانت ذكرياتها مثل الفراشات — كلما حاولت الإمساك بها، طارت بعيدًا. في المسافة، لمحت زيا بعض التوت الأحمر اللامع. بحدسها، مدت يدها إلى جرابها — كانت تحب أن تُعيد ملء مخزونها من توت البرق. تنهدت زيا. لا تزال تنسى أحيانًا أنها لم تعد تملك جرابًا. شعرت كأنها عارية — كأنها خرجت من الحمام دون أن تجد منشفة.

مر أسبوعان منذ هروبها من بنك شيكاغو. وحتى الآن، لم تفهم كيف نجحت في الهروب. ذكريات هروبها أصبحت كالفراشات – كلما حاولت الإمساك بها، طارت بعيدًا.

 

لفت نظرها توت أحمر لامع. بحركة تلقائية، مدت يدها إلى جرابها... ثم تذكرت. تنهدت بحزن. لقد نسيت مجددًا أنها لم تعد تملك جرابها. شعرت كأنها عارية، كمن يخرج من البحر ليجد أن ملابسه قد اختفت!

 

"يا جرينليف!"

صوت مألوف جعلها تدور على عقبيها. كان مارتن واقفًا هناك، ذلك الفتى الذي تدرب معها في أكاديمية الفاي. رغم أنه أكبر منها سنًا، إلا أنهما تخرجا معًا.

سألت زيا: "ماذا تريد؟"

ابتسم مارتن ابتسامة ساخرة. لم يكونا أبدًا على وفاق. هو يكره تفوقها، وهي تكره غروره وكسله.

قال وهو يلتفت ليرحل: "الجدة تطلبك."

 

 

قالت مسرعة: "انتظر! لماذا تريدني الجدة؟"

أجاب دون أن يلتفت: " لا أعلم، ربما لتكلفكِ بتنظيف الأعشاب في الأكاديمية!"

"مغرور! سخيف!" همست بين أسنانها. لكنها لم تستطع تجاهل خوفها. هل سيطردونها من الوكالة؟ منذ كانت طفلة، وهي تحلم أن تصبح جاسوسة مثل أمها. "لو كانت أمي هنا الآن، ماذا كانت ستقول؟" أسرعت نحو الشجرة العظيمة، يداها ترتجفان بجانبها.

 

في الطريق، سمعت صوتًا ينادي: "زيا، هل ستتدربين اليوم؟"

ورأت زميلتها فويا تتدرب بالقفز بين الشجيرات المتحركة التي تشبه الوحوش. لوحت لها زيا بسرعة، لكنها شعرت بالخجل. هل ستتدرب مجددًا بعد فشلها؟ لكنها لم تكن تملك صديقات مقربات. كان التدريب هو صديقها الحقيقي — حتى أتت سارة.

أجبرت نفسها على إكمال الطريق إلى مقر الوكالة، المعروف باسم "الشجرة العظيمة".

 

أخيرًا، وصلت إلى الباب المنحوت في جذع الشجرة الضخم.

"ادخلي!"

صوت الجدة جاء من الداخل قبل أن تطرق. ارتعشت زيا. الشجرة العظيمة كانت أطول مبنى في الغابة، وأكثرها روعة.

"توقفي عن التحديق. أعلم أنكِ هناك، يا زيادورا جرينليف."

ابتلعت ريقها ودخلت. كانت الغرفة دافئة ومضيئة. رائحة القرفة والتفاح تفوح في الجو. كل شيء هنا كان مريحًا... إلا مشاعر زيا.

قالت الجدة: "زيادورا، اجلسي." وأشارت إلى كرسي مغطى بالطحالب والعشب الناعم.

كرهت زيا اسمها الكامل. فقط أمها كانت تناديها به. تفضّل أن تنادى "زيا" أو "العميلة جرينليف".

قالت الجدة: "لنكن صريحين، مهمتك باءت بالفشل." كان وجهها عجوزًا، لكن صوتها قوي. "لم يتم اعتقال ييغو. وفقدتِ جراب الفاي. ولم تعد العميلة الأخرى."

أرادت زيا أن تبتلعها الأرض. كانت تحب عملها كجزء من وكالة الفاي السرية — حلمها كان ينهار أمام عينيها.

"زيادورا، انظري إلي!"

رفعت زيا عينيها بتردد. لم تكن الجدة غاضبة كما توقعت.

"لكن، رغم كل شيء، عميلة صغيرة في التاسعة من عمرها نجت بعد أن خانتها شريكتها. كانت شجاعة وذكية بما يكفي للهروب."

شعرت زيا وكأن فراشات ترفرف في معدتها. وهمست: "إذن... ما زلت عميلة؟"

تنهدت الجدة. كانت من أقوى الفاي في العالم. لكنها بدت متعبة الآن.

أومأت الجدة _ أحد أقوى الفاي في العالم _ بينما تظهر خطوط التعب على وجهها. وقالت: "الجميع يخطئ، يا جرينليف. لكن..." وانقلب صوتها جاداً فجأة: "تسليم جراب الفاي للعدو؟ هذه غلطة لا تُسامح!"

 

انكمشت زيا كسلحفاة تدخل درعها. وأسرعت قائلة: "لن يتكرر هذا! أعدك!"

 

هزت الجدة رأسها بحكمة وقالت: "في عالمنا، الثقة كنز ثمين، لا تمنحيه إلا لمن يستحقه."

كلما فكرت زيا بسارة، شعرت بالغثيان. كيف كانت بهذه السذاجة؟ سارة كانت تخدعها منذ البداية. كتمت دموعها، ثم تنفست بعمق.

عندما تذكرت سارة، شعرت بطعم مر في فمها. كيف لم تلاحظ خداعها؟ كيف كانت بهذه السذاجة؟ سألت بتردد: "هل سأواجه ييغو وسارة مرة أخرى؟"

 

أجابت الجدة بسرعة: "لا. مع جراب الفاي، أصبح ييغو خطرًا يفوق قدراتك سيتولى المهمة من هم أكثر منكِ خبرة."

 

شعرت زيا بالخجل، وببعض الراحة. اقتربت الجدة وهي تحمل شيئًا. وقفت زيا فجأة وعينيها في غاية اتساعهما، فقد ظهر شيء لامع في يد الجدة.

قالت الجدة بلطف: "هذا جراب والدتك. حان وقت أن يرثه جيل جديد. أنتِ صغيرة يا زيادورا. ربما جاءت مهمتك الأولى مبكرًا. عادةً، لا نقبل عملاء قبل سن الحادية عشرة. لكنكِ اجتزت كل الاختبارات ببراعة — وهذا متوقع من ابنة أفضل عميلة لدينا."

ارتجفت ساقا زيا حين سمعت ذكر والدتها. مدت الجدة يدها وأعطتها جرابًا. ترددت زيا، ثم أخذته. كان ناعمًا كالريش. جميل للغاية، مصنوع من أوراق حمراء بنفسجية.

ارتجفت يدا زيا وهي تلمس الجراب الناعم المصنوع من أوراق تتلألأ كالحرير.

قالت: "وُجد هذا الجراب في آخر مكان شوهدت فيه والدتك. أظن أن الوقت قد حان ليعود إليكِ."

والدة زيا — العميلة جرينليف الأخرى — اختفت قبل عامين في مهمة سرّية. التحقت زيا بالأكاديمية باكرًا على أمل أن تسير على خطاها. وما زالت، في أعماقها، تأمل أن تجد أمها.

قالت الجدة فجأة: "لديك مهمة جديدة في ليدفيل، كولورادو. أنتِ الوحيدة المناسبة لها."

اتسعت عينا زيا، فقد سمعت من قبل عن السحر الغامض في جبال الروكي هناك.

"لكن... لماذا أنا؟"

ابتسمت الجدة وقالت: "لأنني أحتاجكِ أن تعودي إلى المدرسة."

"ماذا؟! لقد اجتزت كل اختباراتي!"

ضحكت الجدة: "مدرسة بشرية، عزيزتي. لقد اكتشفنا سحرًا غريبًا في مدرسة ليدفيل."

حدّقت زيا بدهشة، فضحكت الجدة أكثر. وأشارت إلى جراب والدتها.

"اجمعي بعض النباتات. استعدي. غدًا تبدأين الصف الثالث."

ChatGPT Image Apr 8, 2025, 08_46_53 AM.png

الفصل الثالث

رنّ الجرس. كانت زيا تحتضن حقيبتها إلى صدرها بينما يتحرك طابور الأطفال إلى داخل الصف. كانت تحمل في حقيبتها دفترين فارغين وبعض الأقلام وجراب والدتها الأخضر والبنفسجي خلفها، كان الأطفال يتحدثون ويضحكون بصوت عالٍ. أصغت زيا إليهم باهتمام. وبما أنها جاسوسة سرّية، كان عليها أن تراقب وتجمع المعلومات.

قالت المعلمة بصوت دافئ ومبتهج: "حسنًا، هدوء يا أبطال! أتمنى أن تكونوا قد قضيتم عطلة نهاية أسبوع ممتعة."

جلس الجميع في مقاعدهم، بينما بقيت زيا واقفة وحدها. نظرت إلى المعلمة. اسمها كان الآنسة ستيفنز. كانت طويلة، ذات شعر أسود طويل ولامع، وكانت ترتدي قلادة جميلة يتدلّى منها حجر أزرق يشبه قطعة من الجليد. فكرت زيا: ’واو! المعلمة الجديدة تبدو رائعة!’

قالت الآنسة ستيفنز وهي تنظر إلى زيا: "لدينا طالبة جديدة اليوم."

ورغم أنها عميلة مدرَّبة، شعرت زيا بالخجل، وبدأت وجنتاها تحمران.

"هل تودّين أن تعرّفي عن نفسك؟"

ابتلعت زيا ريقها. كان الجميع يحدّق بها، وقالت في تردد: "مرحبًا، اسمي زيا. أنا ... جديدة هنا."

ردّ الصف بصوت واحد: "مرحبًا يا زيا!"

ابتسمت الآنسة ستيفنز وأشارت إلى مقعد في آخر الصف قائلة: "أهلًا بكِ في مدرسة ليدفيل الابتدائية، زيا. اجلسي بجانب سادي وويسلي."

سارت زيا نحو المقعد وجلست. التفتت إليها الفتاة الجالسة إلى يسارها وابتسمت بلطف قائلة: "اسمك جميل يا زيا! أحب شعرك أيضًا! إنه رائع!"

فقامت زيا بلمس شعرها تلقائيًا. فصباح اليوم، كانت قد مضغت ورقة فاي سحرية، مكّنتها من تغيير شكل شعرها. ولأجل هذه المهمة، اختارت لونًا أزرق سماويًا وشعرًا مجعّدًا.

نظرت حولها بفضول، واطمأنت لرؤية بعض الطلاب بشعر ملوّن أيضًا، وردت بسعادة: "شكرًا!" ثم نظرت إلى سادي. كانت سادي ذات بشرة بنية دافئة، وشعر وعينين بنيتين لامعتين. بدا وجهها ودودًا ومريحًا.

وكانت زيا بحاجة للاندماج، لكنها لم تكن تعرف بالضبط كيف تتصرّف كطفلة بشرية في التاسعة من عمرها. فكّرت بسرعة وقالت: "يعجبني قميصكِ يا سادي!"

ابتسمت سادي ونظرت إلى قميصها المخطّط بالأزرق. تنفّست زيا الصعداء، لأن سادي أحبّت الإطراء! ثم التفتت زيا إلى الصبي الجالس على يمينها. كان شعره محلوقًا بالكامل، وعيناه عسليتان اللون. نظر إليها في اللحظة نفسها، فعبس ورفع أنفه كأنّه شمّ شيئًا كريهًا. كان في ويسلي شيء جعل زيا تشعر بعدم الارتياح — شعور لا تحبّه أبدًا.

قالت الآنسة ستيفنز: "افتحوا كتاب الرياضيات وأكملوا تمارين الأمس."

قدّمت ورقة جديدة إلى زيا، ثم اقتربت من طاولة ويسلي وربّتت على كتفه قائلة وهي تنظر بين زيا وويسلي: "ويسلي أيضًا طالب جديد — انضم إلينا قبل بضعة أسابيع. ويسلي، بما أنك أنهيت الورقة، هل يمكنك مساعدة زيا؟"

أومأت زيا بخجل. فالرياضيات لم تكن أبدًا مادتها المفضلة. وبالنسبة لها، الأرقام كانت كأنها ديدان تنزلق من بين أصابعها. وفكرت ’ربما يستطيع هذا الولد مساعدتي.’

لكن بدلاً من المساعدة، اكتفى ويسلي بالهمهمة والإشارة إلى أخطائها، وكان مزعجًا حقًا.

ثم سألها ببرود: "ألا تعرفين كيف تضربين الأعداد؟"

بنهاية الحصة، كانت زيا تشعر بالإحباط. لماذا يبدو أن ويسلي يكرهها؟ فنظرت حولها، ولاحظت أن الرياضيات كانت صعبة على كثير من الطلاب — فقد نام ثلاثة منهم فوق مكاتبهم! لكن فقط ويسلي هو من أعطاها ذلك الشعور الغريب.

رنّ الجرس.

انتظرت زيا عند الباب بينما مرّ بقية الصف بجانبها. أشارت لها سادي بإعجاب ثم اختفت.

نادت الآنسة ستيفنز: "زيا، هل يمكنك الانتظار قليلًا؟"

وقفت زيا عند الباب، بينما خرج باقي الطلاب. لوّحت لها سادي مبتسمة، ثم اختفت بين الزحام.

انحنت الآنسة ستيفنز لتكون في مستوى نظر زيا وقالت: "كيف كان يومك الأول؟"

قالت زيا محاولة التظاهر بأنها تلميذة عادية — وليست عميلة سرية: "ممم، لا بأس به. أعتقد أن هناك أشياء كثيرة لأتعلّمها."

 

أعلم كم هو صعب أن تنتقلي إلى مدرسة جديدة. لقد مررت بذلك حين كنت في عمرك،" قالت الآنسة ستيفنز بلطف. كانت عيناها خضراوين مليئتين بالدفء. وأثناء حديثها، مسحت بلطف على الحجر الأزرق في قلادتها. "زيا، أنا هنا لأساعدكِ. إذا احتجتِ شيئًا، تعالي إليّ في أي وقت."

قالت الآنسة ستيفنز بلطف: "أعلم كم هو صعب الانتقال إلى مدرسة جديدة. لقد شعرت بذلك عندما كنت في عمرك."

كانت عيناها الخضراوان مليئتين بالدفء. وأثناء حديثها، مرّرت أصابعها بلطف فوق الحجر الأزرق في قلادتها.

"زيا، أنا هنا لأجلك. إذا احتجتِ شيئًا، تعالي إليّ في أي وقت."

ابتسمت زيا من لطف الآنسة ستيفنز قائلة: "شكرًا، سأفعل."

أخذت المعلمة نفسًا عميقًا وربّتت على كتفها قائلة: "من الواضح أنكِ فتاة مميزة يا زيا. حسنًا، هيا أسرعي لتناول الغداء. لا بد أنكِ تتضوّرين جوعًا."

أسئلة الرياضيات، وتصرفات ويسلي، ورحلتها الطويلة من الغابة إلى ليدفيل... كل ذلك استنزف طاقتها وجعلها تشعر بالحاجة إلى النوم. وكانت جائعة جدًا أيضًا.

دخلت زيا الكافتيريا، فرأت سادي تلوّح لها وهي تجلس وحدها. فحملت صينية الطعام وجلست بجانبها. كان من الجميل أن تجد من يرحّب بها. زيا تعرف جيدًا معنى أن تكون وحيدة. فهي تحب قبيلة الفاي، لكنها دائمًا منشغلة بالتدريب، ولم تجد وقتًا لتكوين صداقات. حسنًا – باستثناء سارة.

 

"ماذا أرادت الآنسة ستيفنز؟" سألت سادي وهي تمضغ الشطة.

نظرت زيا إلى وعاء الطعام بدهشة. أجابت سادي قبل أن تبدأ بالأكل — وكان ذلك صعبًا للغاية.

"فقط كانت لطيفة. قالت إن بوسعي التحدث معها إذا احتجت شيئًا،" قالت زيا.

أخيرًا، تذوّقت الشطة. كانت حارّة جدًا، لكنها لذيذة! رغم أنها لن تعترف بذلك أمام الفاي، إلا أن زيا تحب طعام البشر — الجبنة، البسكويت، الكعك، الشوكولاتة! كل شيء!

 

سألت سادي وهي تمضغ قطعة من الشطّ : "ماذا أرادت الآنسة ستيفنز؟"

نظرت زيا إلى وعاء الطعام بدهشة، وأجابت قبل أن تبدأ بالأكل — وكان ذلك صعبًا من شدة جوعها: "كانت فقط لطيفة. قالت إن بوسعي التحدث إليها إذا احتجت شيئًا."

أخيرًا، تذوّقت الشطة. كانت حارة جدًا... لكنها لذيذة بشكل مفاجئ! ورغم أنها لن تعترف بذلك أمام الفاي، إلا أن زيا كانت تحب طعام البشر — الجبنة، البسكويت، الكعك، الشوكولاتة! كل شيء!

قالت سادي ولم يبدُ عليها التحمس للطعام مثل زيا: "الآنسة ستيفنز رائعة. فهي تجلس معنا كل أسبوع وتسألنا كيف نشعر. لا يوجد أي معلم آخر يفعل ذلك!"

 

فكّرت زيا أن تطلب بقايا طعام سادي وكلنها لم تفعل لأنها ظنت أن ذلك سيبدو غريبًا.

رنّ الجرس مجددًا. فبدأت زيا تأكل الشطّة بسرعة البرق. نظرت إليها سادي بدهشة، ثم دفعت لها وعاءها الثاني. ضحكت زيا وأكملت الطبق.

وفي تلك اللحظة، مرّ ويسلي بجانبهما، ونظر إلى زيا نظرة حادة.

حملت سادي الوعاءين وأعادتهما إلى طاولة الغداء، فتوقف ويسلي للحظة، ثم اقترب من زيا، ولم يكن هناك غيرهما في المكان.

همس بشيء جعل قلب زيا يقفز من مكانه: "أنا أحذّرك! ابتعدي عن طريقي، أيتها الجنيّة!"

20250408_1447_Book Reservation Sign_remix_01jrbjhgjhezcvccpdh4bsbgcf.png
bottom of page